Thursday, May 03, 2007

التنظيم و الإدارة لادوار عمر المختار

حارب عمر المختار بقلة من الرجال تقدر بحوالي الف و خمسمائة مقاتل قوات دولة أوربية تفوقه رجالا و عتادا و عدة. كانت القوات الايطالية تتميز بانضباط العسكرية الفاشستية و التدريب الجيد و العتاد المتطور، بينما كانت قواته توحدها فكرة فرض الجهاد والإيمان والعزيمة التي لا تلين، و لكن هل كان ذلك يكفى لمقاومة استمرت لعقد من الزمان؟ هل كان هذا يكفى لتكون مقاومته فعالة لدرجة جعلت ايطاليا الفاشستية تتطرف في استعمال كل وسائل البطش و الإرهاب من محاكم طائرة تحاكم بالظنة و تصدر الحكم و تنفذه، و قصف جوى بالقنابل الحارقة، و معسكرات اعتقال، و أسلاك شائكة لمسافة حوالي 300 كلم عبر الصحراء من غير المشانق و النفي إلى الجزر الايطالية؟ فماذا كان لدى عمر المختار غير العزيمة و الإيمان و الرغبة الصادقة في الجهاد و الدفاع عن الوطن؟
لقد وجدت الجواب لكثير من هذه الأسئلة في دراسة قيمة للأستاذ المبروك على الساعدى من كلية آداب غريان نشرها مركز جهاد الليبيين ضمن سلسلة دراساته التاريخية. و كان عنوان الدراسة النظم الحربية - ا لادوار - لدى عمر المختار.

فما هي الأدوار؟
أطلق اسم الأدوار على معسكرات الجهاد في شرق ليبيا منذ بداية الغزو الايطالي، و قد دعيت على الغالب بهذا الاسم لكون المتطوعين للجهاد يأتون بالمناوبة حيث كانت كل قبيلة ترسل عددا من المتطوعين للقتال و قبل رجوعهم للقبيلة بعد فترة معينة لأداء أعمال حياتهم و معاشهم يكون بديلهم قد أتى للمناوبة عنهم، هكذا دواليك، و كان مقاتلي الأدوار يلتحقون و معهم سلاحهم و وسيلة ركوبهم و تموينهم.
أثناء سفر عمر المختار لطلب العون من إدريس بدأ في الاتصال بقبائل شرق ليبيا – العبيدات و المنفة و القطعان و الشهيبات و الجرارة و كون منهم مجموعة من المتطوعين للمرابطة في منطقة بئر الغبي الصحراوية جنوب طبرق في انتظار عودته من مصر. و رأينا كيف رجع عمر من مصر خائبا من أمله في الحصول على معونة إدريس السنوسي، و كيف أحبط مقاتلوه المنتظرين له عند بئر الغبي الكمين الايطالي الذي استهدف حياته، و هكذا كانت أول معركة له كقائد للمقاومة الوطنية، و كانت فاتحة خير. و بعد رجوع عمر المختار للجبل الأخضر اجتمع برؤساء القبائل و تشاور معهم على الاستعداد للمقاومة و تنظيم الأدوار و على خطة الجهاد. ذهب بعدها لملاقاة الرضا السنوسي في جالو بصفته الوكيل العام لأخيه إدريس المقيم بمصر. و بعد ذلك تشاور مع زعماء دور المغاربة في منطقة الخليج و عند رجوعه رافقه بعض من قبائل الحرابى و مجموعة من السويحلية كانوا مع إبراهيم السويحلى. و استمر عمر بعدها في تنظيم أدوار قبائل سهل بنغازي و الجبل الأخضر حتى منطقة درنة. تشكلت في النهاية ثلاثة ادوار رئيسية بالجبل الأخضر تحت قيادة عمر المختار، كما تم تنظيم الإدارة المدنية الموازية للقيادة القتالية و تشمل المالية و المحاكم الشرعية و إدارة التموين و جباية الزكاة ة و إدارة خاصة بخمس الغنائم. كان كل دور يمثل وحدة عسكرية و إدارية و اجتماعية مستقلة يرأسه قائمقام فى يده السلطتين المدنية و العسكرية و يساعده قوماندان أو أكثر حسب حجم الدور. و كان لكل دور مجلس يتكون من مشايخ القبائل و حكمائها يساهم فى حل المشاكل التي تحدث بالدور. و كان نظام الرتب و الترقيات للمقاتلين مصنفا حسب النظام العثماني و تتم الترقيات حسب توصيات القائد الميداني المباشر و يعتمد من القائد العام بعد النظر فيه من المجلس الأعلى و تعمم الترقية حين اعتمادها على جميع المجاهدين. و كان المجلس الأعلى يتكون من عشرة قادة ميدانيين بالإضافة إلى قائد المجلس عمر المختار و ينيب عنه عند غيابه يوسف بورحيل. كما شكل عمر المختار بالإضافة إلى الأدوار قوة خاصة من متطوعين من قبائل المغاربة و زوية و أولاد سليمان و سرت و اجدابيا و مجاهدين من تشاد بالإضافة إلى جماعة إبراهيم السويحلى و يقدر عددهم بحوالي 170 مقاتلا، كانت هذه القوة تحت قيادته مباشرة و تسمى طابور المعية.
و قد ساند أهالي الجبل الأخضر المجاهدين بطرق شتى، بالمعلومات عن تحرك القوات الايطالية ، و بتقديم السلاح و الذخيرة الذي كان أغلبه متحصلا عليه من الايطاليين أنفسهم و بإخفاء المجاهدين عند قدومهم للمناطق المحتلة و بالدعم المالي و تقديم الزكاة و الأعشار لصالح الجهاد. و هكذا أنشا عمر المختار كيانا متكاملا من المقاتلين و الاهالى مهمته التصدي للايطاليين.

كان عمر المختار في البداية يعترف بالرضا السنوسي بصفته الوكيل العام و يوقع باسمه كنائب عنه. و بعد الاختلافات التي زرعها الايطاليون في مفاوضات سنة 1929 و انشقاق الرضا و معه 300 من رجاله لمهادنة الايطاليين، و رفض عمر المختار لهذا الاتجاه كما ذكر في وثيقته التي نشرت بتاريخ 20/10/1929 على صفحات جريدتي الإخبار و المقطم القاهريتين معلنا استئناف الجهاد، و موقعا على الوثيقة بصفته الجديدة: قائد القوات الوطنية.
نظم عمر المختار رجالة بعبقرية قائد حرب عصابات متمرس و كانت إدارته حازمة وواعية و قوية. عرف نقاط قوته و نقاط ضعفه
و استغلها على الوجه الأمثل. كانت وحدات قواته في كل مكان و في لا مكان. لم تكن قواته تدافع عن أرض معينة بذاتها، و لم تتقيد بالدفاع عن أرض محددة حيث أنها تفتقر لإمكانيات العدو الهائلة و لكنها كانت تدافع عن وطن، عن فكرة ما فوق حدود الزمان و المكان. كانت هجماته سريعة و صاعقة و يعقبها اختفاء سريع في غابات الجبل الكثيفة و التحام بالطبيعة المحيطة و بما توفره من أجراف و كهوف و مغاور لا حصر لها، و غالبا ما يلحق ذلك هجوم أخر في مكان أخر قد يكون هو المقصود بالخطة من بدايتها. كان رجاله مؤمنين بما يفعلون و كان هو مثلا و مثالا لهم، و هكذا اجتمعت العزيمة و الإيمان و التنظيم الجيد و الإدارة الفعالة و التحام القاعدة و القيادة فى سبيل هدف واحد. استطاع مدرس الزوايا السنوسية الذي أصبح قائدا لمقاتلين فى سبيل الحرية، و المقاتل الذي كان رفيقا لأحمد الشريف في مقاومته للتغلغل الفرنسي في وسط إفريقيا، استطاع بعبقرية فذة استغلال المتاح لديه من رجال و عتاد و بيئة محيطه الاستغلال الأمثل في مقاومته، حتى بدأت القيادة الايطالية لاهم لها إلا القضاء على عمر المختار، و أصبح عمر هو الهاجس للمتغطرس غراتسيانى و رئيس هيئة الأركان الجيش الايطالي بادوليو الذي أصبح حاكما لليبيا و الذي قال أنه جاء للقضاء على الجميع على الرجال و المصالح.
كان عمر المختار مقاتلا فذا لأجل الحرية، و قائدا عسكريا من الطراز الأول، و عقلا إداريا منظما ، كما كان مثالا لمقاتليه، قائدا ميدانيا و مفاوضا عنيدا، شغلته فكرة الوطن و الجهاد حتى دفع في سبيلها حياته.

2 comments:

Anonymous said...

Hello there Abughilan,

Just wanted to say that you have a wonderful blog, really welldone! I’ve been following it long time ago. I’m interrested in history too, especially everything related to the W.W.II in North Africa :-)
And thank you for the wonderful post about Sadiq Al-Nayhoum.

Cheers! ,

Youcef Marzooq
Altdorf bei Nürnberg, Germany.

PS. ,
Thank you so much for adding a link for my website in your blog’s side-bar.

Omar Gheriani said...

Thank you very much Yousef for your comment, and you're welcome, and I find your website a very good portrait for Jdabia, Gateway to the South.