Wednesday, August 22, 2007

كيف يكون حب الوطن ؟

كتب محمد عقيلة العمامى فى "قيران العسل" عن حكاية من حكايات بنغازى أيام زمان ، فقال

رشف الحاج من كأسه ، وقال : " بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، سيطرت القوات البريطانية سنة 1944 على البلاد وصارت تحت إدارتها . لم تكن بنغازي حينها إلاّ أطلال مدينة دكتها القنابل كانت مجرد خربة كبيرة ، وعندما عاد سكانها ، الذين نزحوا منها إلى المناطق المجاورة ، لم يجدوا إلاّ البطالة ، كان الفقر المدقع والجوع الكافر ، والبؤس عند كل خرابة . وما كان للأمن أن يستتب إلاّ بتوفر سبل الرزق للناس . وماذا كان بمقدورهم أن يصنعوا ، والحالة هكذا ؟ . رأت الإدارة البريطانية ، آنذاك ، أن تستثمر ما تقدمه للناس من معونة ، هي في الحقيقة تعويضا تدفعه ألمانيا المهزومة ، ففتحت باب العمل للشباب في تنظيف البلاد من مخلفات الحرب . صار الكثيرين من شباب بنغازي سنة 1944 مجرد (كناسين ) ! .
المرحوم العالم حويو ، والمرحوم محمود أمبارك الشريف ، انتبها لعدد الشباب الكبير الذي ترك الدراسة وانخرط مبكرا في العمل . ألمهما ذلك كثيرا . فقررا أن يؤسسا مدرسة ليلية يتعلم فيها من حالت ظروفه دون التعلم في المدارس الصباحية ، فشرعا يشرحان فكرتهما للمستنيرين في ذلك الوقت ، وسرعان ما انضم إليهما الكثيرين ، اذكر منهما : المرحوم محمد ابراهيم الفلاح ، والمرحوم بن عروس امهلهل ، وشرعوا يجمعون التبرعات من القادرين .. " تدخل عبدالسلام قائلا : " لقد نسيت – ياحاج – المرحوم طاهر الشريف ، والمرحوم إبراهيم المهدوي .. " رد الحاج : " إن الذين ساهموا في هذا العمل الجبار كثيرين وأنا أعلم أن والدك – رحمه الله – دون لنا أسمائهم بخط يده المباركة .. وما ذكرت من أسماء هو على سبيل المثال لا الحصر .." ثم التفت الحاج نحوي وقال : " إن أخطر وأذكى ما قام به الحاج في تأسيس هذا العمل الأهلي العظيم هو إقناعه للمرحوم ( على فلاق ) الذي كان في ذلك الوقت ذو منصب مهم في بلدية بنغازي التي تخضع للإدارة البريطانية . لقد أقنعه بأمرين مهمين للغاية هما : أن يسمح للعمال بإنهاء أعمالهم قبل ساعة واحدة من الموعد المقرر وألا يعين أحد إلاّ الذي يتعهد بالدراسة في المدرسة الليلية .." سألت الحاج :
- " ولكن ياحاج كيف وفروا مقرا للمدرسة ، ومن أين جاءوا بالكتب .. " قال - " من المرحوم مصطفى بن عامر، فقد كان احد المسئولين في مصلحة المعارف ، لقد منحهم الكتب الدراسية القديمة ، وخصص لهم مدرسة عند الفندق القديم ، صار اسمها لفترة طويلة مدرسة الكناسين ، ثم صارت ، فيما بعد مدرسة العمال الليلية .. " ثم أضاف عبد السلام:
- " وتطوع المعلمين في المدارس الصباحية ، للتدريس مجانا في الفترة المسائية .. " ثم أشار إلى الحاج وقال : " عمك الحاج كان احدهم .. " فرد الحاج - " صرت مدرسا ، بمدرستك الصباحية – يا عبدالسلام - بعد أن أتممت دراستي الابتدائية في المدرسة الليلية . صار ذلك بمثابة قانون أخلاقي ، فمعظم الذين أتموا دراستهم بالمساء عادوا إليها كمعلمين متطوعين ن واستمر مشروع المرحوم العالم حويو ، كهيئة أهلية تشرف على سير هذه المدرسة حتى ضمت رسميا لوزارة المعارف سنة 1963 .. " فقلت :
- " في تلك السنة صار،المرحوم مفتاح بوحويه شرمدو، ناظرا للمدرسة . أنا اعرف ذلك لأنني ، حينها ، أتممت دراستي الإعدادية. وإنني لأذكر من مدرسيها ، على سبيل المثال المرحوم طالب الرويعي ، والمرحوم صادق النيهوم . ومنهم ، أيضا ، الأستاذ يوسف الشيباني ، والأستاذ ابوبكر عمر الهوني ، وأحمد القلال ومفتاح الدغيلي أطال الله في أعمارهم " .
كنت قد ودعت عبد السلام ، وخرجت رفقة الحاج نحو الساحة الجديدة التي شيدت فوق ميدان الحدادة . كان هناك بعض الشباب يلوحون بأوراق نقدية ، وبعض الباعة الفارشين لسلع متنوعة ، ونسوة يتطلعن لعقود الذهب المعروضة . كان الحاج يريد أن يتجه نحو شارع بوغولة ، وكنت أريد أن اتجه نحو شارع عمر المختار ، وعندما صافحته هناك قال :
- " لا أعتقد أن أحدا من رواد هذه الساحة ، يعرف أن ثمة رجال ، كانوا هنا ، قد ملكوا جيلين أو ثلاثة. لم يعلموهم الأحرف فقط ، وإنما علموهم،أيضا، كيف يكون حب الوطن ؟ " .

Links:

4 comments:

PH said...

That was wonderful !!
Thanks for sharing .

salaam

Hiba said...

ليتنا نتعلم منهم كيف يكون الولاء والحب لهذا الوطن

تذكرني هذه المقالة ببعض ذكريات والدي رحمه

حفظك الله لنا لنحظي بفرصة التمتع بمطالعة مدونتك:)

Omar Gheriani said...

Thanks PH and LH for your appreciation, and it's my pleasure.

Benghazi Citizen said...

كادت عيناي أن تدمعا عند قراءتي لهذه الكلمات....حب الوطن ليس كلمات يغنيها البعض على شاشات التلفزيون,وليست مزايدات يزاد بها البعض على البعض الآخر,و ليست حكرا على البعض دون غيرهم.....حب الوطن هو ما قرأته هنا في هذه المدونة...هو ارادة البناء,والتفاني دون مقابل...ليس النهب و لا تقاسم الأرزاق...
أكثر من رائعة هي هذه القصة