فى 14 مايو من سنة 1801 قام يوسف باشا القره مانللى بقطع سارية العلم فوق القنصلية الأمريكية فى مدينة طرابلس بعد فرار القنصل الامريكى كاتاكارت إلى ليفورنو ، و ألغى معاهدة السلام السابقة مع الولايات المتحدة و طلب رفع قيمة الإتاوة المطلوبة مقابل سلامة مرور السفن التجارية الأمريكية قرب السواحل الطرابلسية . و عندما رفضت الولايات المتحدة الخضوع لتنفيذ هذا الطلب ، أعلن يوسف باشا من جهته الحرب عليها فى يونيه 1801 ، و رد عليه توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة بإرسال قطع من أسطول البحرية الأمريكية الوليدة تحت إمرة الكمودور ادوارد بريبل إلى طرابلس لفرض حصار بحري عليها ، بدون الرجوع إلى الكونجرس.
فى سنة 1803 عززت الولايات المتحدة قوتها المحاصرة لطرابلس بإرسال قوة هجومية جديدة ، و فى يوم 31 أكتوبر من نفس العام و قرابة الساعة الحادية عشر صباحا كانت الفرقاطة الأمريكية فيلادلفيا تطارد قاربا طرابلسيا حربيا صغيرا تحت إمرة الرايس على زريق اغا أمام ميناء طرابلس عندما جنحت فى مياه ضحلة قرب الشاطئ ، مما جعل القوارب الطرابلسية السريعة تهاجمها من كل جانب ، و بعد تبادل نيران المدافع مع قلعة الميناء و السفن الراسية فيه و الذي استمر حتى الساعة الرابعة مساء رأى القبطان ويليام بينبريدج أنه لامفر من التسليم بقبول الهزيمة . كانت الفرقاطة فيلادلفيا مجهزة باثنان و أربعين مدفعا ، و كان طاقمها يتكون من أكثر من ثلاثمئة بحار و ضابط منهم 25 ضابطا و 3 أطباء و الباقي بحارة وقعوا كلهم فى الأسر.
كان الطبيب جوناثان كودرى مساعدا للجراح على ظهر الفرقاطة ، و كعادة ذلك الزمان أصبح الأسرى الأمريكيين السادة عبيدا للطرابلسية الأفارقة ، و سيبقون عبيدا حتى دفع فديتهم و الوصول إلى اتفاق بشأن الإتاوة . و يجب أن ننوه هنا إلى أن يوسف باشا القره مانللى لم يكن درغوت باشا المحارب فى سبيل نصرة الإسلام ، بل كان حاكما مستبدا ، عنيدا و متكبرا و ذا دهاء ، وصل إلى الحكم بعد قتل أخاه الأكبر حسن أمام أمه الللا حلومة ، و استولى على الحكم بعد طرد أخاه الأخر أحمد من طرابلس بسبب فقدان الأهلية ، و كانت القرصنة بالنسبة له هي أحد الوسائل للكسب المشروع . بينما لم تصل الولايات المتحدة يومها إلى الصيت الامبريالي العالمي و القوة العسكرية الجبارة التي هي عليها اليوم ، بل كانت دولة ناشئة متمردة على تقاليد العالم القديم و داعية للحرية و ناصرة لها .
كتب الطبيب كودرى أثناء إقامته أسيرا فى مدينة طرابلس صفحات دعاها باليوميات ، فماذا كتب؟
كتب الطبيب كودرى أثناء إقامته أسيرا فى مدينة طرابلس صفحات دعاها باليوميات ، فماذا كتب؟
قابل الباشا الضباط الأسرى ، و يصف كودرى هذا اللقاء فكتب ... كان يجلس على عرشه الصغير و كان مزخرفا بالطريقة التركية ، و بدا منظره جذابا ، و هو رجل حسن الصورة يبلغ الخامسة و الثلاثين تقريبا من العمر ، و تمعن فى كل منا بابتسامة على محياه و كان يبدو فى غاية الامتنان .... و بعد ذلك أوصل الوزير الأول محمد الدغيس برفقة أحد الحراس الضباط و الأطباء إلى المنزل الذي كان يقطنه القنصل الامريكى ، و الذي يرجح أنه كان فى زنقة الحمام الصغير قرب زنقة مدرسة الكاتب . و قد زارهم كل من القنصل الدانماركى و الانجليزي فيما بعد عارضين لهم أية مساعدة ممكنة . يوم 20 نوفمبر كتب كودرى عن اعتناق أحد البحارة الإسلام وهو المدعو توماس برينسى ، و سيسجل التاريخ فيما بعد اعتناق أربعة بحارة آخرين للإسلام ، و بالتالي بقاءهم فى طرابلس بعد إطلاق سراح طاقم السفينة .كلف كودرى فيما بعد بزيارة مرضى القلعة و عالج الوزير الأول من عمى العين اليسرى كما زار سفير القسطنطينية الذي كان يشكو من حمى متقطعة . و كتب عن بداية شهر رمضان : " عند الغروب أطلقت المدافع إيذانا بابتداء شهر الصوم . و خلال تجوالي فى المدينة لعيادة مرضاي و جدت المسجد و كذلك المنازل الكبيرة مضاءة ، و كان الناس مبتهجين فرحين ." و يحكى عن لقاءه مع أميرال البحرية للطرابلسية ، الذي كان اسكتلنديا يدعى بيتر ليزلى قبل اعتناقه الإسلام ، و شربه القهوة معه و كونه كان لطيفا معه . و بعد علاجه لابن الباشا يتحصل على بعض المزايا و منها استطاعته الخروج من سور المدينة إلى المزارع المحيطة ، حيث حكي عن رؤيته لرؤية رأس إنسان معلق على أحد الأعمدة ببوابة المدينة ، و بعد السؤال عنه عرف بأنه لأحد المتمردين على دفع الضرائب من مناطق الدواخل . و خلال أيام العيد كتب عن اشتراك مدافع المدينة فى إحياء مظاهر الفرحة ، و عن ارتداء كل شخص لحلة جديدة جميلة و عن مظاهر الفرحة بادية على الجميع ، كما أنه شارك مع القبطان بينبريدج و الملازم بورتر فى المعايدة على الباشا مع كل القناصل ، و بعد العيد أصبح كودرى طبيبا لأسرة الباشا .
فى 16 فبراير 1804 كتب كودرى عن استيقاظه ليلا على صوت انفجار رهيب و ضجيج من أطراف المدينة ثم على صوت المدافع من القلعة ، و عند فتحه النافذة التي تواجه الميناء رأى الفرقاطة فيلادلفيا و قد اشتعلت فيها النيران ، و سيتضح فى اليوم التالي خبر العملية الجريئة التي قام بها الضابط الامريكى البحار ديكاتور بنسفها فى الميناء حتى لا يستفيد منها للطرابلسية
كتب كودرى عن هدية أرسلها وكيل الباشا إلى الأسرى الضباط تتكون من بعض الشاي و القهوة و السكر مع مصباح ، كما كتب عن أن إفطارهم الاعتيادي كان يتكون من بيضتين و قطعة من الخبز و كأس من ماء المطر ، و أن غذاءهم كان قطعة من لحم البقر أو الجمل و قطعة خبز و أحيانا يقدم الملفوف المغلي و ماء المطر للشرب .
فى شهر مايو 1804 كتب كودرى عن السماح له و لبعض من زملاءه بالخروج من المدينة و زيارة المناطق المحيطة ، و عن إكرام أصحاب المزارع لهم بتقديم عصير اللاقبى و كثير من البرتقال و الليمون و المشمش ، و قد عاملهم المزارعون باحترام كما ينتظر .
فى أغسطس 1804 وصل أسطول القبطان بريبل و بدأ هجومه على مدينة طرابلس ، و شهد يوم 9 أغسطس انفجار إحدى السفن الحربية الأمريكية – انتربيد – و تطاير أجساد طاقمها أشلاء متناثرة فى الهواء .
و من ملاحظات كودرى قوله بأن الطرابلسية فى صلاتهم مصطفون بانتظام كأنهم فى تدريبات عسكرية فى غاية النظام بينما هم فى مناورتهم الحربية كانوا فى غاية الفوضى . كما سجل كودرى اعتقاد الحراس ، و الباشا نفسه ، فى أحجبة و أدعية من يدعون بالمرابطين أو الأولياء ، لحمايتهم من ألأخطار و بحمل الأحجبة و التمائم و اشتراك المرابطين فى المعارك بصب اللعنات و الأدعية على بوارج العدو حتى تصدم بالشاطئ و تنفجر .
فى شهر أغسطس 1804 كتب كودرى عن عريضة استرحام كتبها البحارة مشتكين فيها من المعاملة السيئة التي لقوها من الحراس و استعمال العنف و أهانتهم أثناء تأدية أعمالهم بالقلعة ، و تكفل البحار هيكس هايمز – احد البحارة الذين اعتنقوا الإسلام – بشرح هذه العريضة الى الباشا ، الذي أمر من جهته جميع الحراس بعدم ضرب الأسرى أو جلدهم .
كما كتب كودرى عن حضور عدد من قبائل الدواخل لنجدة الباشا ضد الأمريكيين و لو أنه يقول بأن تسليحهم كان بدائيا و بأنهم كانوا يبدون و كأنهم عراة نصف جوعي و غير منظمين ، و عندما يستعرضون قواتهم أمام الباشا كانوا يصيحون بصوت واحد قائلين "ها أولاد بوى".
فى شهر سبتمبر 1804 بدأت البوارج الأمريكية تركيز هجومها على مدينة طرابلس مما نتج عنه خروج السكان و هم فى غاية الرعب و الفزع ، بينما تعاقب الباشا و ابنه البك على التناوب بالبقاء ما بين القلعة و مزرعة الباشا بالمنشية بحيث لايبقى الاثنان فى نفس المكان و فى نفس الوقت . و فى شهر نوفمبر كتب كودرى عن إصابة الباشا بنوبة صرع و كان اعتقاد الناس – حسب قوله – بأن الباشا قد استولى عليه أحد الجان و لذا استدعى بعض المرابطين لإخراجه . و يرسل طبيبنا رسالى الى رفيق له يدعى الدكتور ميتشل يخبره فيها عن أحواله بالأسر و بأن خمسة من رفاقه البحارة قد تحولوا الى مسلمين ، و خمسة آخرين انتقلوا الى رحمة الله . كما يشتكى من انتشار أمراض الإسهال و الدوزنتاريا بين البحارة .
كما حكي الطبيب كودرى عن الطريقة التي يتبعها الطرابلسية فى علاج حروق البارود ، فيقول بأنها تدهن بالعسل جيدا مع المحافظة على الجلد بكل دقة و عناية و تترك معرضة للهواء ، ثم ترش الجهات المتقرحة إذا وجدت بمسحوق ناعم من الرصاص الأبيض و يكرر هذا عدة مرات الى أن تتكون قشرة يحافظ عليها بدقة الى أن يتم الشفاء ، و لاحظ بأن هذا علاج سريع سرعة ملحوظة .
فى شهر مارس من سنة 1805 كتب كودرى عن شنق اثنان من الزنوج على بوابة المدينة لارتكابهم السرقة ، كما لاحظ عزوف الاهالى عن الوقوف فى صف الباشا فى الحرب لأنه لجأ الى طرق غير عادية للحصول على المال بالإضافة الى أنه جرد نساءهم من حليهم . و سجل وصول ثلاثمائة من الفرسان و سبعمائة من المشاة من قبائل الدواخل فقط .
و أخيرا فى 29 من مايو 1805 بدأت مفاوضات السلام ما بين الباشا و قائد الأسطول الامريكى، و تولى أمر الترتيبات الأولية كل من القنصل الاسباني و المواطن اليهودي الطرابلسى ليون فرفارة ، و تم توقيع اتفاقية السلام و تبادل الأسرى فى 3 يونيه 1805 ، و كتب الطبيب كودرى فى أخر سطر فى يومياته ..... ذهبت لتوديع الباشا الوداع الأخير و قد كان فى غاية التأثر
فى شهر مايو 1804 كتب كودرى عن السماح له و لبعض من زملاءه بالخروج من المدينة و زيارة المناطق المحيطة ، و عن إكرام أصحاب المزارع لهم بتقديم عصير اللاقبى و كثير من البرتقال و الليمون و المشمش ، و قد عاملهم المزارعون باحترام كما ينتظر .
فى أغسطس 1804 وصل أسطول القبطان بريبل و بدأ هجومه على مدينة طرابلس ، و شهد يوم 9 أغسطس انفجار إحدى السفن الحربية الأمريكية – انتربيد – و تطاير أجساد طاقمها أشلاء متناثرة فى الهواء .
و من ملاحظات كودرى قوله بأن الطرابلسية فى صلاتهم مصطفون بانتظام كأنهم فى تدريبات عسكرية فى غاية النظام بينما هم فى مناورتهم الحربية كانوا فى غاية الفوضى . كما سجل كودرى اعتقاد الحراس ، و الباشا نفسه ، فى أحجبة و أدعية من يدعون بالمرابطين أو الأولياء ، لحمايتهم من ألأخطار و بحمل الأحجبة و التمائم و اشتراك المرابطين فى المعارك بصب اللعنات و الأدعية على بوارج العدو حتى تصدم بالشاطئ و تنفجر .
فى شهر أغسطس 1804 كتب كودرى عن عريضة استرحام كتبها البحارة مشتكين فيها من المعاملة السيئة التي لقوها من الحراس و استعمال العنف و أهانتهم أثناء تأدية أعمالهم بالقلعة ، و تكفل البحار هيكس هايمز – احد البحارة الذين اعتنقوا الإسلام – بشرح هذه العريضة الى الباشا ، الذي أمر من جهته جميع الحراس بعدم ضرب الأسرى أو جلدهم .
كما كتب كودرى عن حضور عدد من قبائل الدواخل لنجدة الباشا ضد الأمريكيين و لو أنه يقول بأن تسليحهم كان بدائيا و بأنهم كانوا يبدون و كأنهم عراة نصف جوعي و غير منظمين ، و عندما يستعرضون قواتهم أمام الباشا كانوا يصيحون بصوت واحد قائلين "ها أولاد بوى".
فى شهر سبتمبر 1804 بدأت البوارج الأمريكية تركيز هجومها على مدينة طرابلس مما نتج عنه خروج السكان و هم فى غاية الرعب و الفزع ، بينما تعاقب الباشا و ابنه البك على التناوب بالبقاء ما بين القلعة و مزرعة الباشا بالمنشية بحيث لايبقى الاثنان فى نفس المكان و فى نفس الوقت . و فى شهر نوفمبر كتب كودرى عن إصابة الباشا بنوبة صرع و كان اعتقاد الناس – حسب قوله – بأن الباشا قد استولى عليه أحد الجان و لذا استدعى بعض المرابطين لإخراجه . و يرسل طبيبنا رسالى الى رفيق له يدعى الدكتور ميتشل يخبره فيها عن أحواله بالأسر و بأن خمسة من رفاقه البحارة قد تحولوا الى مسلمين ، و خمسة آخرين انتقلوا الى رحمة الله . كما يشتكى من انتشار أمراض الإسهال و الدوزنتاريا بين البحارة .
كما حكي الطبيب كودرى عن الطريقة التي يتبعها الطرابلسية فى علاج حروق البارود ، فيقول بأنها تدهن بالعسل جيدا مع المحافظة على الجلد بكل دقة و عناية و تترك معرضة للهواء ، ثم ترش الجهات المتقرحة إذا وجدت بمسحوق ناعم من الرصاص الأبيض و يكرر هذا عدة مرات الى أن تتكون قشرة يحافظ عليها بدقة الى أن يتم الشفاء ، و لاحظ بأن هذا علاج سريع سرعة ملحوظة .
فى شهر مارس من سنة 1805 كتب كودرى عن شنق اثنان من الزنوج على بوابة المدينة لارتكابهم السرقة ، كما لاحظ عزوف الاهالى عن الوقوف فى صف الباشا فى الحرب لأنه لجأ الى طرق غير عادية للحصول على المال بالإضافة الى أنه جرد نساءهم من حليهم . و سجل وصول ثلاثمائة من الفرسان و سبعمائة من المشاة من قبائل الدواخل فقط .
و أخيرا فى 29 من مايو 1805 بدأت مفاوضات السلام ما بين الباشا و قائد الأسطول الامريكى، و تولى أمر الترتيبات الأولية كل من القنصل الاسباني و المواطن اليهودي الطرابلسى ليون فرفارة ، و تم توقيع اتفاقية السلام و تبادل الأسرى فى 3 يونيه 1805 ، و كتب الطبيب كودرى فى أخر سطر فى يومياته ..... ذهبت لتوديع الباشا الوداع الأخير و قد كان فى غاية التأثر
ملحق : بناء على نصيحة كاتاكارت القنصل الامريكى السابق فى طرابلس و القنصل الامريكى فى تونس ايتون قام الأمريكيون بمحاولة دعم أحمد بك القره مانللى الذي نحاه أخوه يوسف باشا عن الحكم ، و تم نقله من تونس إلى مالطا ومنها إلى درنة حيث ساعدوه على انتزاع حكم تلك المنطقة منه ، ولكن قوات يوسف باشا القره مانللى كانت لها الغلبة ، و اضطر أحمد بك إلى اللجوء إلى مصر . و مرة أخرى أرسل ايتون على ظهر أحد السفن إلى الإسكندرية و جلب معه أحمد بك و تم الاستيلاء على درنة فى 29 أبريل سنة 1805 ، و لكن هذا أعقبه انتهاء المفاوضات بين الأمريكيين و يوسف باشا بتبادل الأسرى و دفع 60,000 دولار إلى الباشا فدية لمئتى أسير أمريكي . توجب على ايتون أن يغادر درنة برفقة أحمد بك ، و عادت سلطة حكومة طرابلس إلى درنة .
كانت عملية البحرية الأمريكية لاحتلال درنة هي شهادة ميلادها فى هذا العالم ، و يحمل نشيد رجال المار ينز إلى اليوم هذه الجملة:
كانت عملية البحرية الأمريكية لاحتلال درنة هي شهادة ميلادها فى هذا العالم ، و يحمل نشيد رجال المار ينز إلى اليوم هذه الجملة:
“From the Halls of Montezuma to the Shores of Tripoli”
No comments:
Post a Comment